*قصة حب حقيقية لعاشقين... رفضت الحياة أن تفرق بينهما حتى فرق بينهما الموت.
إن تاريخ الأدب مليء بقصص حب مأساوية لا حصر لها، معقدة ومحكوم عليها بالنهاية. فكم من العشاق، إن لم تكن الحياة نفسها، قد افترقوا إلى الأبد بسبب الخلافات والصراعات والكراهية والعداوة؟ وكم من قصص الحب التي ظن كاتبها أنها قصص خيالية، أجبرهم فيها هول الحدث أو المصيبة التي حلت بأبطالها على مواجهة الأحقاد العائلية والعادات الاجتماعية من جهة، وحالت دون هروبهم من كل ذلك والعيش في سلام من جهة أخرى؟
قصة
اليوم لا تختلف كثيراً عن هذه القصة، ولكن على عكس ما قد تظنون، فهي ليست عملاً
خيالياً، بل قصة مبنية على أحداث حقيقية. قصة عاشقين مزقتهما ليس الاختلافات
الدينية بل أطماع دولة لا تكترث بحياة البشر، قصة تعبر كجسر دموي فوق مئات الآلاف
من الجثث للوصول إلى أطماعهم، لإرضاء غطرستهم وعنادهم.
قصة
حب حقيقية
بطلا
قصة اليوم هما بطلا القصة اللذان يدفعان ثمنًا باهظًا لحبهما، حيث يصران على
البقاء متكبرين حتى آخر لحظة:
الاسم:
بوسكوفليتش؛ أديلا إسميتش.
العمر:
كلاهما يبلغان من العمر 25 عاماً.
الدين:
الديانة: صربي أرثوذكسي، مسلم بوسني.
الموقع:
سراييفو، عاصمة البوسنة.
في
عام 1993، شهد الحصار الصربي للبوسنة آلاف المجازر التي ارتكبها أحقر الناس الذين
لم يحترموا كرامة الموتى ولا حرمة القبر ولا حتى حزن العائلات التي كانت تودع
أحباءها لتشاركهم في توديعهم في نفس الوقت.
وُلد
الحب بين يوسكو وأدميرة دون سابق إنذار، في جو تفوح منه رائحة الموت في كل مكان،
بين دماء طاهرة رفضت تسليم أرضها للمستعمرين بإصرار منقطع النظير على الدفاع عن
أرضها وشرفها، لكن هل من الممكن أن تتقن نبتة الحب، وهي بذرة صغيرة سقتها نيران
الكراهية ودماء الأبرياء؟ سأل يوسكو وأدميرا نفسيهما هذا السؤال، وبالطبع كانت
الإجابة بالنفي.
في
18 مايو 1993، قررا المخاطرة بمخاطر مغامرتهما المجنونة. فإن نجحا، فسينجوان
بروحهما وحبهما، وإن فشلا سيلتقيان بحبهما في عالم آخر نقي لا يعرف لعنة الحرب ولا
نبرة الكراهية. وبينما كان يوسكو وأدميرا، يجوبان شوارع ضواحي بستريتش ودويلينجا،
لم يكونا متأكدين من أنهما سيصلان إلى المطار سالمين، أو أن أحد الشوارع التي كانا
يجوبانها على غير هدى بحثاً عن مخرج آمن سيشهد إراقة دمائهما كما شهد الآخرون!
ولعل تشابك أصابعهم المتشابكة أعطى كل واحد منهم الاندفاع والحماس للاستمرار،
وسرعان ما قتل الهدوء غير المبرر برصاص الصرب الغادر الذي لم يميز بين الصديق
والعدو، ولكن عندما حان وقت البدء، بدأوا مع حلفائهم.
وفي
غضون دقائق، لم تمضِ دقائق حتى كانت رصاصات الصرب تقتلهم بوابل من الرصاصات
الصربية التي اخترقت جسد جوسكو ومزقت قلب أدميرا، فقتلته دون تمييز. أما أدميرا،
التي انحنت عليه يائسة لإنقاذه، فقد ذُبحت هي الأخرى برصاصات الغدر أمام أعين أهل
البلدة. بعد أن وهبت قلبها لحبيبها الذي لم يعد قلبه ينبض، هل يمكن للحياة أن
تساعدها في عالم لا عودة فيه؟ يهرع أهل البلدة إلى العاشقين المتعانقين على ضفاف
نهر ميلياتكا، وينتظرون انتهاء الحرب الصربية ويحاولون إنقاذ ما يستطيعون إنقاذه،
ولكن بعد فوات الأوان! هذه هي نهاية القصة الحقيقية لعاشقين تأبى الحياة أن
تفرقهما، ويرفض الموت أن يفرقهما، وهما أرحم من نار الحرب التي لا ترحم ولا تميز.